والعمل الثاني الذي ينال صاحبه به الشَّفَاعَة هو :
قراءة القُرْآن كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {اقرءوا القُرْآن فإنه يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ شفيعاً لأصحابه}،
((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً)) [الفرقان:30]، هجر وعده ووعيده فقلَّ أن تراه محققاً لمقتضى ذلك من الخوف من الله ورجاء الدار الآخرة، والرغبة عن هذه الحياة الدنيا.
بل الواقع المشاهد هو الحرص والجشع والتنافس والتكاثر في هذه الحياة الدنيا، فهذا من أعظم ما هجر من القرآن، وكذلك هجرنا أحكامه فلم نُحل حلاله ولم نُحرم حرامه إلا من رَحِمَهُ اللَّهُ.
فأصبحنا نرى أن الأحكام التي تحكم حياة الْمُسْلِمِينَ في الغالب هي الأحكام الوضعية، وكذلك الذي يحكم أعرافهم وآدابهم الاجتماعية هو ما نقل عن الغرب من آداب وعادات وتقاليد وليست هي أحكام القُرْآن وآدابه، وهذا من الهجر الذي فعلته الأمة، ولهذا استحقت هذه الأمة ما نزل بها من الذل والهوان.
فكيف نتوقع لمن يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ ورَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكوه إِلَى ربه ويقول: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً)) كيف ينال الشَّفَاعَة من هذه حالته؟ ولو نظرنا إِلَى حياتنا اليوم، أين نَحْنُ من هذا العمل؟ وأين من يتلو كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ أناء الليل وأناء النهار في البيوت؟! لقد استبدلت بما يسمع من قرآن الشيطان وهو هذه المعازف والمزامير واللهو واللعب في كل بيت وفي كل سيارة وفي كل وقت من أناء الليل وأناء النهار إلا ما شاء الله، أما القُرْآن فلا يتلوه ولا يقرءوه -ولا سيما في البيوت- إلا القلة الذين وفقهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لذلك.
أما أكثر الْمُسْلِمِينَ فهم عنه غافلون وكثير من الْمُسْلِمِينَ لا يهمه أنه قرأ القُرْآن أو لم يقرأه، فحال الشيطان بينه وبين مصدر النور والهدى والحق والطمأنينة والتقوى واليقين والإيمان، ولهذا أصبحنا أمة ضائعة لا مكان لها في الدنيا بين الأمم ونخشى أن لا يكون لها عند الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ مكان أيضاً بين المرحومين وبين المشفوعين لهم، ولو قارنا بين الأشرطة الخبيثة من أفلام الفيديو وما أشبهها في البيوت أو في محلات البيع بالمصاحف من حيث الكم والعدد، ومن حيث إقبال النَّاس عَلَى هذا وعلى تلك، فسنجد الفرق واضحاً.

والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أَحْمَد ومسلم رحمهما الله تعالى: {اقرءوا القُرْآن فإنه يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ شفيعاً لأصحابه}، ثُمَّ خص من القُرْآن تلك السورتين العظيمتين البقرة وآل عمران، ثُمَّ خص سورة البقرة بالذات وهي مشتملة عَلَى آية الكرسي التي هي أعظم آية في كتاب الله وأواخرها أيضاً من أعظم ما نزل في كتاب الله عز وجل.

وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفاضل بين الصحابة بالقرآن، وكان معيار المفاضلة بين النَّاس هو القُرْآن فأكثر النَّاس حفظاً للقرآن هو أجدر بأن يولى قيادة الجيش، وهو أجدر بأن يقدم حتى عند الدفن، هذه هي الأمة القرآنية حقاً، ولهذا فضلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى العالمين وأثنى عليها في الذكر المبين ونصرها وأورثها الدنيا شرقاً وغرباً لما كَانَ معيار التفاضل فيها هو القُرْآن وكان مرجعها في كل أمرها هو القُرْآن مع السنة التي هي شارحة ومبينة ومفسرة.